لماذا أعدموني
جلستُ إليه و هو يعد أخر أيامه ، و في أعصب الظروف ، جلستُ إليه شيخاً ستينياً أعياه المرض و أنهكته رسالته في الحياة ، عشر سنوات قضاها من المعتقل إلى المشفى و من المشفى إلى المعتقل يذوق ألوانًا من التعذيب والتنكيل ، حدثني فيها أحاديث كثيرة ، خلاصتها بأن خلق لأجل رسالة سامية ... أهداني حوالي 26 كتابآ ، تحلق في مجملها حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي المعاصر ... كما حدثني فقد كان أكبر همه تقويم الفكر الإسلامي مستنداً إلى التربية الإسلامية و العقيدة الصحيحة ، منتقداً انغماس الجماعات الإسلامية في معترك السياسة و هي لا تزال في مهدها ، لقد استنتج ذلك حين رأى بأم عينه عدم قدرة شباب الإسلام على الفوز بمعترك فكري بسيط يتعارض مع عقيدتهم الهشة ... بل إنه يتركهم في صراع صامت ... و حين رأيت آثار السياط على ظهره و بطنه ، و اليوم و قد حكم عليه بنو جلدته ظُلماً بالإعدام ... ترسخ في ذهني مفهوم المؤامرة ... تلك المؤامرة العالمية المعقدة تجاه أي فكرٍ إسلامي قرر أن يصحو ... فكرٍ وليس سلاح ... قلمٍ وليس دبابة ، عقلٍ وليس مدفعية ، و هذه هي الضريبة ... تركتُ الشيخ و في قلبي غصة ، أدركت أن ما نراه اليوم ما هو إلى امتداد لتلك التمثيلية ، و لا زال وعي الشباب المسلم -معظمهم- مضلل إلى هذا اليوم ، و كما قال منذ اكثر من ستين سنة "إن بناء الإسلام يبدأ من القاعدة و ليس من القمة" ...يا إلهي قد قامت شعوب و ماتت شعوب خلال هذه العقود ... ألا نتعلم !! سنحيا لننادي مرة أخرى: تقويم المجتمع الإسلامي يبدأ بالإيمان بالأخلاق بالتعامل بالتسامح ... بالحب ! علمتُ بعد ذلك أنهم ساقوه إلى منصة الإعدام ... و لما جاء أحدهم يلقنه الشهادة رد في وجهه مبتسما "حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نُعدَمُ لأجل لا إله إلا الله وأنت تأكُلُ الخبز بلا إله إلا الله" !!! و أيّ ثبات هذ!!! |
أترك تعليقًا